فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}
اللاَّم في {ليُعَذِّبهُمْ} قد تقدَّم أنها لامُ الجحود، والجمهورُ على كسرها، وقرأ أبُو السَّمَّال: بفتحها.
قال ابن عطية عن أبي زيد: سمعت من العرب من يقول: {ليُعَذِّبهُمْ} بفتح اللاَّم، وهي لغةٌ غيرُ معروفةٍ ولا مستعملةٍ في القرآن.
يعني في المشهور منه، ولمْ يَعْتَدَّ بقراءة أبي السمال، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد فَتْحَ كلِّ لامٍ عن بعض العربِ إلاَّ في {الحمد للَّهِ} [الفاتحة: 2] وروى عبد الوارث عن أبي عمرو: فتح لام الأمر من قوله: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، وأتى بخبر كان الأولى على خلاف ما أتى به في الثانية فإنَّه إمَّا أن يكون محذوفًا، وهو الإرادة كما يقدِّره البصريون أي: ما كان الله مُريدًا لتعذيبهم وانتفاءُ إرادة العذاب أبلغُ من نفي العذاب، وإمَّا أنه أكَّدَهُ باللاَّم على رأي الكوفيين لأنَّ كينونته فيهم أبلغُ من استغفارهمن فشتَّان بين وجودِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وبين استغفارهم.
وقوله: {وأنتَ فيهِمْ} حال، وكذلك {وهُمْ يَسْتَغفرُونَ}.
والظَّاهر أنَّ الضمائرَ كلَّها عائدةٌ على الكفار.
وقيل: الضمير في {يُعذِّبَهُمْ} و{مُعَذِّبَهُمْ} للكفَّارِ، والضمير من قوله: {وهُمْ} للمؤمنين.
وقال الزمخشريُّ: {وهُمْ يَسْتَغفرُونَ} في موضع الحال، ومعناه: نفيُ الاستغفار عنهم أي: ولو كانوا ممَّن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذَّبهم، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] ولكنهم لا يستغفرون، ولا يؤمنون ولا يتوقَّع ذلك منهم.
وهذا المعنى الذي ذكره منقولٌ عن قتادة، وأبي زيد، واختاره ابنُ جريرٍ.
فصل:
قال أبُو العباس المقرئ:
ورد لفظ في في القرآن بإزاء ستَّةِ أوجه:
الأول: بمعنى مع كهذه الآية، وقوله تعالى: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] أي: مع عبادك، ومثله: {فادخلي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29].
الثاني: بمعنى على.
قال تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71] أي: على جذوع النخل، ومثله: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: 38].
أي: عليه.
الثالث: بمعنى إلى قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} [النساء: 97] أي: أليها.
الرابع: بمعنى عن قال تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى} [الإسراء: 72] أي: عن هذه الآيات.
الخامس: بمعنى من قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ} [النحل: 89] أي: مِنْ كل أمة {شَهِيدًا}.
السادس: بمعنى عند قال تعالى: {كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا} [هود: 62]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}.
ما كان الله معذبهم وأنت فيهم، وما كان الله ليعذِّبَ أسلافَهم وأنت في أصلابهم، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالًا لقَدْرِك، وإكرامًا لمحلِّك، وإذا خرجتَ من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون، فالآية تجل على تشريف قَدْر الرسول- صلى الله عليه وسلم.
ويقال للجوَارِ حُرْمةٌ، فَجَارُ الكرام في ظل إنعامهم؛ فالكفار إن لم يَنْعَموا بقرب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم فقد اندفع العذاب- بمجاورته- عنهم:
وأحبُها وأحبُّ منزلَها الذي ** نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزِل

ويقال إذا كان كون الرسول صلى الله عليه وسلم في الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة في القلوب أوْلى بدفع العذاب عنها.
ويقال إن العذاب- وإنْ تأَخَّر عنهم مدة مقامهم في الدنيا ما دام هو عليه السلام فيهم- فلا محالة يصيبهم العذابُ في الآخرة، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
علم أنه عليه السلام لا يتَأَبَّد مُكْثُه في أمته إذا قال له: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ} [الأنبياء: 34]، فقال إني لا أضيع أمَّتَه وإن قضى فيهم مُدَّتَه، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار مُتَطَلِّعةً فصنوف العذاب عنهم مرتفعة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (34):

قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا ليس نصًا في استحقاقهم العذاب، قال تعالى عاطفًا على ما تقديره: وليعذبهم الله إذ هاجرت عنهم ولم يؤمنوا فيستغفروا: {وما لهم} قال أبو حيان: الظاهر أن ما استفهامية، أي أي شيء لهم في انتفاء العذاب، وهو استفهام معناه التقرير، أي كيف لا يعذبون وهم متصفون بهذه الصفة المتقضية للعذاب وهي صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وليسوا بولاة البيت- انتهى.
وتقدير الكلام: وأيّ حظ لهم في {ألا يعذبهم الله} أي الذي له كمال العز والعظمة على الظالم والإكرام والرفق بالطائع عاجلًا {وهم} أي والحال أنهم مستحقون للعذاب فهو واقع بهم لا محالة وإن تأخر مدة إبانه وأبطأ عنهم أوانه وقوعًا ينسيهم ما نالوه من اللذات وإن عظم عندهم شأنها وامتد طويلًا زمانها لأنهم {يصدون} أي يوجدون الصد {عن المسجد} أي من أراد تعظيمه بالصلاة التي وضع المسجد لها وغيرها {الحرام} أي العظيم حرمته عند كل أحد فلا اختصاص به لشخص دون آخر، أي شأنهم فعل حقيقة الصد في الماضي والحال والمآل، لا ينفكون عن ذلك، كما كانوا يمنعون من شاءوا من دخول البيت ويقولون: نحن ولاته، نفعل ما نشاء، ويصدون المؤمنين عن الطواف به التعذيب والفتنة وصدوا رسول الله عليه وسلم ومن معه بالإخراج ثم صدوهم عام الحديبية عن الوصول إلى البيت وعام عمرة القضية عن الإقامة بعد الثلاثة الأيام {وما} أي والحال أنه لم يكن لهم ذلك لأنهم ما {كانوا أولياءه} أي أهلًا لولايته بحيث إن صدهم ربما يقع موقعه؛ روى البخاري في التفسير عن أنس- رضى الله عنهم- قال: قال أبو جهل: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] فنزلت: {وما كان الله ليعذبهم} [الأنفال: 33] إلى {عن المسجد الحرام} [الأنفال: 33]. ولما نفى عنهم الولاية. ذكر أهلها فقال؛ {إن} أي ما {أولياؤه} أي بالاستحقاق {إلا المتقون} أي العريقون في هذا الوصف بما يجعلون بينهم وبين سخط الله من وقايات الطاعات، لا كل من آمن بل خاصة المؤمنين، وهم ليسوا كذلك لتلبسهم الآن بالكفر {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي ليس لهم علم بالأمور ليميزوا بين الحق والباطل والمتقي والفاسق وحسن العواقب وسيئها، ولعله عبر بالأكثر إعلامًا بأن فيهم المعاند، ولأنه كان منهم من آمن بعد ذلك فصار من أولي العلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله}
اعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لا يعذبهم ما دام رسول الله فيهم، وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم فكان المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم: لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر، وقيل بل يوم فتح مكة، وقال ابن عباس: هذا العذاب هو عذاب الآخرة، والعذاب الذي نفاه عنهم هو عذاب الدنيا، ثم بين تعالى ما لأجله يعذبهم، فقال: {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} وقد ظهرت الأخبار أنهم كيف صدوا عنه عام الحديبية، ونبه على أنهم يصدون لادعائهم أنهم أولياؤه، ثم بين بطلان هذه الدعوى بقوله: {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاؤُهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} الذين يتحرزون عن المنكرات، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية، والمقصود بيان أن من كانت هذه حاله لم يكن وليًا للمسجد الحرام، فهم إذن أهل لأن يقتلوا بالسيف ويحاربوا، فقتلهم الله يوم بدر، وأعز الإسلام بذلك على ما تقدم شرحه. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم عاد إلى ذكر المشركين فقال: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله}، يعني بعد ما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم.
{وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام}، يعني يمنعون المؤمنين عن المسجد الحرام.
{وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ}؛ يعني المشركين.
قال الكلبي: يعني ما كانوا أولياء المسجد الحرام؛ ويقال: وما كانو أولياء الله.
{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون}، يعني ما كان أولياء الله إلا المتقون من الشرك، {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} توحيد الله تعالى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله}
أي: مايمنعهم من أن يُعذّبوا. قيل: إنّ (إِنَّ) هنا زائدة.
{وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} {وَمَا كانوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} المؤمنون من حيث كانوا ومن كانوا، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. اهـ.